د. رنا الصيرفي
كم مرّة حدث أن قمت بعمل ما أو رأيت شيئًا وتذكرت حينها مقولة لأحد والديّك أو جديّك أو أحد المقرّبين لديك؟
أحيانًا نتذكر بوضوح عبارات كان يردّدها على مسامعنا أشخاص قريبون منا، فنسترجعها وتحدث أثرها فينا بشكل مباشر، وأحيانًا أخرى قد لا نتذكر العبارات لكنها تعمل في داخلنا وبقوة، ولا نكتشفها إلا بعد مدة.
إن العبارات التي نؤمن بها ونرددها على مسامع أبنائنا تُشكّل جزءا من معتقداتهم، وسيكون لها أبلغ الأثر في القرارات التي سيتخذونها. فمثلًا الأم التي تعتقد أن "لكل مشكلة حل" وتتصرف على هذا الأساس، وتردّد هذه العبارة عند حدوث أية مشكلة، فإنها تبني قاعدة قوية بداخلهم أن يسعوا إلى إيجاد حل لأي مشكلة تواجههم.
وكلما كان الشخص الذي يردّد العبارة يعمل بها، ويؤمن بها بقوة، فإن تلك العبارة ستترك أثرًا أكبر. هذه العبارات قد تشكل معتقدات صحيحة تساعد الأبناء على مواجهة الصعاب أو اتخاذ خيارات صحيحة في حياتهم، أو قد تكون سلبية فتقوض عزيمتهم.
فمثلا الأب الذي لا يدخر شيئًا ولا يؤمن بالادخار ويردّد "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" كيف سيتعامل أبناؤه مع مصروفهم؟ وكيف سيكون تعاملهم في المستقبل مع النقود؟ أو الذي يردّد "الدنيا يومان فلنستمتع فيها" لتجنب أداء عمل يعتبره عبئا، أو لتجنب الالتزام بأي شيء جاد ومسؤولية في حياته. هذا الشخص يؤسس لقاعدة أو قناعة تعيق تطور الأبناء، فتجعل الاستمتاع هو الأساس لأي قرار أو عمل، وأي شيء يمكن أن يتعارض مع "المتعة" سيرفضونه. ربما لم يقصد الأب المدى الذي وصل إليه الابن في فهمه، لكنها تشكلت قاعدة لديه.
إننا نستطيع أن نساعد أبناءنا في بناء قواعد ومعتقدات سليمة بفحص العبارات التي نؤمن بها ونردّدها. وقد يصعب علينا أن نقوم بذلك لوحدنا، لذا طلب المساعدة من المقربين مهم جدًا. مثل أن يطلب الزوج من زوجته أو أخيه أن يخبره بالعبارات التي يرددها وتكون أساسا لقراراته أو أفعاله، فالقريبون هم مرآة لنا. أو بالإمكان إذا كان الأبناء في سن أكبر، يمكن تحويلها إلى لعبة عائلية بأن يذكر كل فرد احدى العبارات التي يرددها فرد آخر. المهم مراعاة اللباقة والكلام الموزون، وعدم الإساءة لأحد.
الخطوة التالية هي فحص هذه العبارات، والتأكد من تأثيرها. فيما يلي بعض الأسئلة المساعدة:
- هل هذه العبارة صحيحة في جميع الأوقات؟
- هل تأثيرها عليّ أو على أسرتي إيجابي؟ أم سلبي؟ أم أنها غير ذات أهمية؟
- هل هي العبارة التي أتمنى أن تبقى مع أبنائي طيلة حياتهم؟
إن هذه المراجعة للعبارات التي نردّدها، حتى وإن بدأنا بواحدة، وتغييرها أو تحسينها للأفضل يعطي ولي الأمر شعورًا إيجابيًا قويًا بأنه أيقظ وعيه وساهم في بناء معتقد صحيح يتذكره به أبناؤه، و يساعدهم على اتخاذ قرارات أكثر صحة في حياتهم المستقبلية.