د. رنا الصيرفي
في خضم الأحداث وتواترها السريع وانتشار الثورات في الكثير من البلدان العربية، انشغل أغلب الناس بتفاصيل أحداث هذه الثورات، ومتابعة ما يجري فيها.
قد لا ينتبه الناس وسط الأحداث والانفعالات العاطفية المصاحبة للأخبار إلى أن الأطفال القريبين منهم يسمعون القصص والأحداث المروعة التي يتناقلها الكبار، وان لها انعكاسات عميقة عليهم. والأطفال لا يلتقطون المعلومات المتناقلة فقط، وإنما يستشعرون العواطف المصاحبة لها أيضاً. فعندما يتحدث شخص من الأقرباء عن وضع ما أو عن حادثة فإن الأطفال ينتبهون لعواطف ذلك الشخص، فإذا كان خائفاً أو قلقاً، أو متوتراً، أو فرحاً كلها مشاعر يقرأها الأطفال، ويخزنونها أيضاً، ولكن الفرق أنها مختزنة بعيون الأطفال وليس الكبار.
فالشخص الكبير، لديه القدرة على تصور الأمور وتبعاتها، ويشعر نوعاً ما أنه يستطيع السيطرة على بعضها، لكن الوضع يختلف لدى الأطفال. فمثلاً رؤية شخص بالغ لمشاهد الدمار أو الموت ومشاعر الخوف لديه تختلف عن تلك التي لدى الطفل. فالشخص الكبير على علم بمناطق حدوث مثل تلك الأحداث، ويعرف أنه يستطيع أن يتصرف إذا وقع شيء لا سمح الله، أما الطفل فغالباً ما تكون لديه تساؤلات كثيرة تحيره وتقلقه.
فقد يكون أول شيء يتبادر إلى ذهن الطفل "هل سأفقد أمي وأبي؟"، "هل سيصيبني ما أصاب الذين رأيتهم في التلفاز؟ " وغيرها من الأسئلة التي لا يمتلك إجابتها والتي لا تزيده إلا هلعاً.
كما أن حجم الأشياء التي يراها الطفل مقارنةً بحجمه يؤثر في نظرته للأمور أيضاً. فعندما يتعرض طفل لشيء، كرؤية مدرعة مثلاً، فإن الصورة التي يلتقطها ويختزنها في ذاكرته هي غالباً ما تكون أكبر من حجمها الطبيعي، لأنه نظر إليها وقارنها بحجمه هو، لذا فهي تبدو بالنسبة له ضخمة جداً. ويمكن ملاحظة الفرق في حجم الصور التي يخزنها الكبير والطفل الصغير بوضوح عندما يزور شخص الأماكن التي أمضى فيها طفولته، فيجد أن حجمها أصغر بكثير من حجمها الذي في ذاكرته.
من ناحية أخرى هناك أطفال لا يظهر قلقهم في الوقت نفسه، بل قد تتأخر استجابتهم للحدث لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر وهو ما يسمى "الاستجابة المتأخرة". فتجد هؤلاء الأطفال غير متأثرين بالأحداث، ولا يظهر تأثرهم إلا بعد مرور مدة من الزمن، ويظهر قلقهم وتأثرهم في صور مختلفة مثل التبول اللاإرادي، أو خوفهم من النوم بمفردهم، أو الكوابيس، وغيرها من صور القلق والخوف لدى الأطفال.
لذا من المهم أن يهتم الأهل والمربون بالأطفال الذين حولهم ويحاولوا معرفة نواحي القلق التي لديهم، وأن يساعدوا الأطفال على الحديث عما يدور بخلدهم. ولعل أفضل طريقة هي توفير بيئة مناسبة يستطيع فيها الطفل الحديث عن مشاعره.
بعض النواحي التي قد تساعد المربين في مساعدة أطفالهم:
-
ضبط الانفعالات: وهي من أهم النواحي وأكثرها تأثيراً على الأطفال. قد يبدو ذلك صعباً لدى البعض لكنه ممكناً، كل ما يحتاجه المربي هو التمرين. فعند رؤية حدث ما أو الوقوع في موقف صعب، والشعور بالغضب بإلامكان ضبط النفس والتماسك لئلا تكون ردة الفعل قوية و تصاحبها كلمات غير مناسبة كالشتم أو التلفظ بألفاظ غير لائقة. إن رؤية الأطفال لمربيهم وهم متماسكون يوصل لهم رسائل ايجابية كثيرة . فهم يتعلمون ضبط انفعالاتهم كذلك، والأهم أنه يظهر مربيهم في موقع قوة، ومسيطر على الأمور. فغالباً ما يعطي الشخص المنفعل صورة للأطفال بأنه خارج السيطرة، فيقلق الأطفال على مربيهم أيضاً، وتصبح الأمور أشد تعقيداً.
-
النقاش العائلي بدون انفعال حول الأحداث، يساعد الأطفال على الحديث أيضاً عما يجول بخاطرهم من تساؤلات. وربما البدء بطرح سؤال على أفراد العائلة مثل:"ما هو شعوركم في هذه الفترة"، وإعطاء الجميع الفرصة للحديث بدون التعليق أو الاستخفاف من إجابة أي فرد.
-
الإستماع لما يقلق الأطفال وإظهار الإهتمام لما يقولونه.
-
التماسك العائلي، والاهتمام بكل فرد في العائلة.
-
إذا صعب على المربين الحديث لصعوبة الأحداث، فضم الأطفال وتقبيلهم وخاصة الذين تقل أعمارهم عن 11 سنة، يساعد على مد وصلة مع الأطفال، وينقل لهم مشاعر المحبة مما يخفف وطأة الأحداث عليهم.
-
التقليل قدر المستطاع من تعرض الأطفال لمشاهدة المشاهد الأليمة أو المليئة بالدم.
-
مشاركة التجارب الشخصية مع الأطفال تساعدهم أيضاً، وخاصة التجارب المشابهة للأحداث الحالية والتي لها تأثير ايجابي على الأطفال، مثل النواحي التي تم القيام بها وخففت من وطأة الأحداث، أو الأمور الصعبة والتي كان لها تأثير ايجابي على العائلة، وغيرها من النواحي التي تبث الأمل لدى الأطفال.
-
قد لا يريد بعض الأطفال التحدث عن أي شيء، وفي هذه الحالة الأفضل عدم الضغط عليهم للتحدث، وإنما يكفي أن يعرفوا أن هناك من هو مستعد لسماعهم ومساعدتهم.
-
وفي الختام، فإن الدور الذي تستطيع أن تلعبه العائلة، أو المربون كبير في مساعدة الأطفال خلال الفترات الصعبة، والمليئة بالآلام، مما يقلل من التأثيرات السلبية للأحداث الصعبة عليهم.