د. سرور قاروني
السؤال هو أحد أهم أركان التواصل البشري في جميع المجالات بلا استثناء، حيث يتفاعل الناس مع بعضهم البعض من خلاله، ويتوصلون إلى مفاهيم مشتركة، كما أن له دوراً محورياً في عملية طلب المعلومات وتبادلها. وهو كذلك بالنسبة للأطفال والمراهقين مع إضافة أنّه العنصر الأساس للتعليم والتعلّم والتأكد من المعلومة وتثبيتها، وتشكيل معتقداتهم ونظرتهم لأنفسهم وللأمور من حولهم.
ويكون ذلك فاعلاً بشكل خاص حين يتم طرح الأسئلة بين الآباء وأبنائهم، فهي عملية تغرس مفاهيم مختلفة في عقول الأبناء وقلوبهم، وهي لا تتعلق بتبادل المعلومات فحسب، بل ببناء الثقة والشخصية والعلاقات أيضاً.من المهم التركيز على الأسئلة التي يوجهها الأبناء لآبائهم، وكيفيّة التعامل الأنسب معها والأمور التي من الجيد أخذها بالاعتبار عند سماع السؤال والإجابة عليه، كاحترام عقلهم وسنهم، وتجنب الكذب عليهم، والاستماع إليهم بشكل كامل دون افتراض معرفة القصد قبل التأكد منهم، وعدم الاستخفاف بالأسئلة وإن كثرت أو بدت ساذجة، وغيرها من الأمور التي تشجع الأبناء على سؤال آبائهم، فإجابتهم باحترام للأسئلة التي تبدو عادية أو تافهة، تشجعهم على سؤالهم واستشارتهم في أمور مهمة تتعلّق بالتحدّيات والمخاطر والعلاقات المؤذية التي قد تواجههم في حياتهم. فإن استخف الآباء بالأسئلة ولم يولوا الاهتمام الكافي لتحفيز أبنائهم لطرح الأسئلة التي تجول في أذهانهم ، فإنّ هذه الأسئلة لن تنتهي أو تنام، ولكنّ قد يختار الأبناء أشخاصاً آخرين ليجيبوا عليها، وغالباً ما يقع اختيارهم على الأصدقاء أو الإنترنت، فكلاهما مصدر سريع للإجابة، وفي نفس الوقت مصدر كبير للخطر، وهناك احتمال كبير بأن تكون الإجابة غير صحيحة، بل وقد تكون مضرّة توصل رسائل خاطئة مؤذية أيضاً.
إنّ الكيفية التي يوجه الآباء الأسئلة لأبنائهم لا تقل أهمية عن تلك التي يوجهها الأبناء للآباء، فغالباً ما يسأل الأبناء آباءهم لمعرفة شيء ما، ولكن دوافع السؤال وطريقته تختلف حين يسأل الآباء الأبناء، ومهما تكن الدوافع وطريقة السؤال، فهي تؤثّر على ما يتعلمه الأبناء ومتانة العلاقة المستقبلية بينهم، إذ قد يقصد الآباء شيئاً ولكن الطريقة المستخدمة قد توصل رسائل معاكسة تماماً. فأحياناً يطرح الآباء أسئلة غامضة وغير مباشرة تهدف لاستدراج الأبناء لوضعهم في زاوية لإثبات خطأ قاموا به أو لإدانتهم أو لإثبات عدم قدرتهم وضعفهم في جانب، أو غيرها من الأمور التي قد تساهم في أن يستنتج الأبناء بأن آباءهم لا يثقون بقدراتهم وإمكانية نجاحهم، وأنّهم يفضلون التركيز على إخفاقاتهم أكثر من نجاحاتهم. وقد يطرح الآباء السؤال بطريقة يشعر الأبناء من خلالها بأنهم مهددون في حال لو صدقوا، وكأنّ آباءهم ينتظرون إجابة محددة يعرفون مسبقاً أنّها لا تعجبهم، وينتظرون إقرار الأبناء فقط لكي ينهالوا عليهم بالتوبيخ والعقاب. وأحياناً تطرح أسئلة تتضمن في طيّاتها نوعاً من الاستخفاف والسخرية والنظرة الدونية للأبناء، وقد يقوم الآباء بذلك ظنّاً منهم أنّه عامل محفّز للأبناء لتطوير ذواتهم، ولكن في الغالب لا يستلهم الأبناء هذا المعنى، بل يذهبون لعكسه تماماً، فتتأصل نظرتهم الدونية لأنفسهم وتهتزّ ثقتهم بأنفسهم وبآبائهم، وتتقلّص قدرتهم على تحفيز أنفسهم وحثّها على التطور والنجاح.
فمهما كان الأبناء مخطئين، يبقى الهدف الأساس هو مساعدتهم للمضي في الطريق السليم وليس إثبات الخطأ وتأصيله وتعميقه وربطه بشخصيّاتهم وكأنّه جزء منهم، ونوعية الأسئلة تساهم في ذلك بشكل مؤثّر وفعّال. فمن المهم تجنب السؤال بطريقة استفزازيّة، وأن تكون الأسئلة مباشرة وواضحة بصورة يفهمها الأبناء بحيث توفّر عليهم وعلى الآباء عناء سوء الفهم وتبعاته، وإن تعذّر ذلك و استدعى الأمر لأي سبب للسؤال بشكل غير مباشر واستدراج الأبناء للحصول على معلومة معيّنة، فمن الأفضل أن يكون هذا الاستدراج ليكتشف الأبناء قدرتهم على تحويل الأمور للأفضل وأنهم يستطيعون القيام بما يوصلهم لما يريدون تحقيقه، ويحفّزهم على التحرّك والعمل باتجاه تطويرهم ونجاحهم. إنّ أخذ هذه الأمور بالاعتبار عند السؤال يساهم في إعطاء الأبناء الشعور الجوهري بالثقة الذي يحتاجونه من آبائهم، بأنّهم يثقون بقدرتهم على تخطّي الصعاب وإحراز النتائج التي تطوّرهم وتوصلهم لمراحل متقدّمه في شخصيّتهم ومجالات حياتهم المختلفة، والأهم أنّه يبني الثقة بينهم وبين آبائهم، ويساعد في عملية التواصل واعتبارهم مصدراً جيّداً للكثير من المعلومات التي يحتاجونها، ويكونون خياراً مطروحاً لطلب المساعدة والمساندة حين تواجههم مشكلة أو تحدّي أو معضلة. فالسؤال يستحوذ على انتباه الأبناء ومن المهم استثمار ذلك في بناء شخصيّاتهم وتقوية العلاقات وإعطائهم رسائل القدرة والاستطاعة والتحفيز للتطلع للأفضل والسعي من أجله.