د. رنا الصيرفي
عندما يتم ذكر الاعتداء على الأطفال فغالباً ما يتبادر إلى الذهن الاعتداء الجسدي بالضرب المبرح مثلاً، أو الاعتداء الجنسي. ولكن هناك نوع آخر أيضاً من الاعتداء تتجذر آثاره وتمتد لتنعكس على شخصية الطفل و مستقبله، وهو الاعتداء بالدلال المفرط. ويأتي بصور مختلفة منها تلبية طلبات الطفل المادية وبدون وضع حدود لما يتم شراؤه، عدم وضع ضوابط أو حدود تناسب سنه لتنظيم أمور حياته المختلفة، عدم محاسبته على الأخطاء التي يرتكبها، عدم تحميله أي مسؤولية في المنزل.
حامد، صبي يبلغ السادسة والعشرين من عمره، عاش طفولة مدللة كما يصفها، كان يحصل على كل ما يريد، وإذا رفض والداه شيئاً مما يريد القيام به، فإنه يدرك أن بكاءه لبضع دقائق متواصلة سيجعلهما يستجيبان لطلباته. أما عند خروجه معهما لشراء الحاجيات من المحلات التجارية فإنه غالباً ما يشتري كل ما يريد، وإذا قال والده أنه سيحرمه من شراء لعبة ما بسبب خطأ ارتكبه، فكان حامد يرتمي أرضاً ويضرب الأرض برجليه، ويصرخ بكل ما أوتي من قوة، وخلال ثواني يستجيب له والده.
أصدقاؤه يصفونه بالمحظوظ، لكن ترى كيف يرى حامد نفسه؟!
يقول حامد: "رغم حصولي على كل ما أريد في طفولتي، إلا أن شعوراً عميقاً بالخوف كان ينتابني. أشعر أنني أنا الذي امسك زمام الأمور، وأن والدي ليس لهما أي سلطة علي، فليس لدي شخص أشعر بالإطمئنان بوجوده في حياتي، وأنه يستطيع حمايتي من أن أؤذي نفسي. هذا الشعور يجعلني أزيد من عنادي، ومن تحايلي عليهما."
ويردف حامد: "بعد أن كبرت، تخبطت كثيراً في حياتي، فلم أستطع الاستمرار في عمل واحد أكثر من بضعة أشهر، وأتذمر من كل شيء في حياتي، ورغم أنني امتلك الكثير من مباهج الحياة إلا أنني لم اشعر بطعمها، فلا يدوم فرحي باقتنائها أكثر من ساعات قليلة."
حامد هو أحد نتائج الدلال المفرط، والذي يدمر حياة الطفل ومستقبله. الدلال المفرط له آثارٌ كثيرة ومختلفة، تبقى وتنعكس على حياة الطفل المستقبلية بصورة سلبية وتسبب له مشاكل تختلف أشكالها وجذرها واحد، وهو نظر الطفل إلى نفسه بأنه المحور في كل شيء، واهتمامه ينصب على نفسه دون الاكتراث لأي شخص آخر.
وليس سهلاً على حامد أن يعيد بناء شخصيته من جديد، فما بناه الآخرون طوال سني طفولتهم، عليه أن يبنيه وبسرعة قبل أن يضيع مستقبله.
إن الأطفال بحاجة إلى الشعور بأن والديهم يستطيعان وضع ضوابط للأمور الأساسية في حياتهم وإدارة حياتهم اليومية، مع إعطائهم مساحة من الحرية تتسع كلما تطورت شخصياتهم، واتسعت مداركهم. فوضع حدود مثلاً لمشترياتهم، أو أوقات اللعب، وإعطائهم مسؤولية تناسب سنهم في المنزل، هي أمور تساعد في بناء شخصيتهم، وتنمية شعورهم بالأمان بوجود من يملك زمام الأمور في حياتهم. إن هذه الضوابط يجب وضعها بحيث لا تكون قاسية أو عنيفة على الأطفال، وإنما حدودها مناسبة لسنهم وهدفها تطوير مهاراتهم وشخصيتهم.