استكمالاً للحلقتين السابقتين، يواصل مركز "كن حراً" تناول الأسئلة التي ترد من الأطفال وأولياء الأمور حول التنمر.
الأطفال الأكثر عرضة للتنمر وكيفية مساعدتهم
- من هم الأطفال الأكثر تعرضاً للتنمر؟
قد يتعرض الطفل للتنمر بدون سبب، وقد تكون هناك عوامل تؤثر في شخصيته وتجعله أكثر عرضة للتنمر، لكن ذلك لا يعني بأن وجود أحد هذه العوامل أو أكثر في الطفل سيجعله بالضرورة عرضة للتنمر، فهي عوامل مساعدة، وكل طفل يختلف عن الطفل الآخر في شخصيته وبيئته، وظروفه. بعض هذه العوامل:
- اختلاف الطفل عن الأطفال الآخرين سواء في الحجم (طويل أو ضئيل)، أو لون بشرته، أو لغته، أو بلده، أو اسمه، وغيرها.
- طريقة كلام الطفل أو الطفل الذي لديه تأتأة.
- الطفل ذو الإعاقة، سواء الحركية أو غيرها.
- الطفل الذي يظهر بأنه غير واثق من نفسه وضعيف أو غير اجتماعي وخجول.
- الطفل الذي ينتقل من مدرسة لأخرى أو من صف لآخر لا يعرف فيه أحداً.
- طبيعة تربية الطفل، فالطفل الذي يبالغ أولياء الأمور في حمايته، قد لا تتاح له الفرصة بأن يتعلم كيف يحمي نفسه لأنه يعتمد في ذلك على والديه وفي حالة غيابهما لا يعرف كيف يتصرف. وقد يلجأ بعض المربين إلى إخافة الطفل للسيطرة عليه أو لتجنيبه الوقوع في خطر، فكل ذلك قد يؤدي إلى ضعف شخصيته، وضعف قدرته على المواجهة.
- الطفل الذي تعرض للاعتداء سواء الجسدي، أو الجنسي، أو العاطفي، أو الاهمال.
- الطفل الذي ينشأ في أسرة تشكو من العنف الأسري.
- الطفل الذي لا يقضي والداه وقتاً خاصاً معه، وخاصة الأب. فقد أشارت دراسة قامت بها جامعة فاندربت، أن الطفل الذي لا يقضي والداه وقتاً خاصاً معه (كاللعب أو التحدث معه) قد يشعر بأنه غير جدير بهذا الوقت والاهتمام، وينعكس ذلك على نظرته لنفسه أيضاً مما يجعله أكثر عرضة للتنمر.
- كيف يمكن مساعدة الطفل الذي يتعرض للتنمر؟
يلعب الوالدان دوراً مهماً وحيوياً في مساعدة الطفل الذي يتعرض للتنمر. فالطفل المتعرض للتنمر غالباً ما يشعر بأنه ضحية وأن ليس له حيلة فيما يجري، وأنه مغلوب على أمره، وهذا بالتحديد ما يستغله المتنمر ويعززه، لذا فإن بناء علاقة ثقة متبادلة بين أولياء الأمور والطفل، يخلق بيئة يشعر فيها الطفل بأن هناك من يسانده، مما يشجعه على التحدث معهم في التحديات التي يواجهها، ومحاولة التوصل إلى حل ما، وهذا بدوره يقلل من شعوره بقلة الحيلة.
فيما يلي بعض النواحي التي من الضروري أن يأخذها الوالدان بعين الاعتبار لحماية الطفل من التنمر ومساندته:
1) إذا تحدث الطفل لوالديه عن تعرضه للتنمر فمن المهم جداً أن يشعر الطفل باهتمام متوازن من قبلهما وتفهم. فعندما يبالغ الوالدان في الموضوع أو يهولانه، أو يتوقعان من الطفل أشياء فوق طاقته، فإن الطفل قد يخشى ردة فعلهما، أومن نظرتهما له بأنه ضعيف وأنه قد خيب ظنهم، أو بأنه لا يعرف كيف يتصرف، أو قد يرى أنهما لا يفهمانه لأنهما يطلبان منه القيام بأمور لا يريد القيام بها ولايجرؤ عليها. وأحياناً يقوم الوالدان بردود فعل تجاه الطفل المتنمر أو أهله ما يجعله يشعر بالندم على إخبارهما أو التحدث معهما. ولعل الخطر يكمن في أن يأخذ الطفل قراراً مع نفسه على أن لا يتحدث مع والديه في أي شيء يتعرض له، وأنه سيتصرف لوحده، أو أنه لا يوجد حل. وأحياناً كثيرة يلجأ الطفل إلى إخبار والديه بجزء من الحقيقة، وإخفاء الجزء الآخر والذي قد يستثيرهم.
من ناحية أخرى، عندما لا يكترث أو يهتم الوالدان بموضوع التنمر الذي تعرض له الطفل، فإن ذلك يزيد من شعور الطفل بكونه ضحية، وأنه لا يوجد من يساعده. لذا فالأفضل هو الاستماع له، ومحاولة معرفة التفاصيل، ومناقشة الموضوع للتوصل إلى الحل الأمثل.
2) عند مناقشة مشكلة التنمر الذي يقع على الطفل، من المهم الاستماع إلى رأيه في الحلول، ومناقشته حولها، وأخذ مخاوفه بعين الاعتبار. فما يراه الوالدان الحل الأمثل قد لا يكون حلاً مقبولاً لدى الطفل، بل قد يعرضه – من وجهة نظره - لمشاكل أكثر مع الطفل المتنمر، أو قد لا يستطيع القيام به.
3) العمل مع الطفل على تقوية شخصيته مما يساعده على الحماية من التنمر ومواجهته. فالطفل الذي يتعرض للاعتداء العاطفي (مثل الشتم والإهانة والمقارنة) أو الجسدي (مثل الضرب أو الركل، وغيرها) في المنزل، غالباً ما تكون ثقته بنفسه ضعيفة، لأن الاعتداء قد يجعله يرسم صورة مهتزة عن نفسه، تعكس الكلام الذي يقال له. في حين أن الطفل الذي يشعر بقيمته من خلال الثقة التي عززها والداه فيه، فإنه غالباً ما يكون أقل عرضة للتنمر، فهو يشعر بالقوة وأنه لا يستحق الإهانة أو الايذاء بدون سبب.
إن طرق تقوية ثقة الطفل بنفسه كثيرة ومتعددة، ومنها أن يثق ولي الأمر نفسه بالطفل، وكلما تعمق هذا الشعور لدى ولي الأمر كلما تبناه الطفل وتعززت ثقته بنفسه.
4) قد يتعرض الطفل للتنمر في أماكن مختلفة مثل المدرسة، المنزل بين الأخوة، الأماكن العامة كالمنتزهات، وغيرها. وفي كثير من الحالات التي يتعرض الطفل فيها للتنمر في مكان ما، فإنه غالباً ما يتعرض للتنمر في مكان آخر أيضاً ، أن العوامل التي جعلته ضحية تنمر في مكان ما قد تجعله عرضة لذلك أيضاً في مكان آخر، وفي أحيان أخرى يكون الطفل ضحية تنمر في مكان بينما يكون متنمراً على أطفال آخرين يشعر بأنه أقوى منهم في مكان آخر. وسيتم تناول الطفل المتنمر في الحلقات القادمة.
وفي حال كون الطفل يتعرض للتنمر في المنزل، كأن يقوم الأخ الأكبر بإهانته أوأخذ أدواته أو العكس، فإن ردة فعل الوالدين يكون لها الدور الأكبر في مساعدة الطفل على مواجهة التنمر في أماكن أخرى. وكمثال على ذلك إذا رأى الطفل أن والديه قد أخذا خطوات جادة لوقف تنمر أخيه فإن ذلك سيعزز من علاقة الطفل بوالديه ، و ثقته بأنهما يستطيعان المساعدة وأنه يستطيع اللجوء إليهم في المواقف المختلفة في حياته، كما سيعزز ثقة الطفل بوجود حلول للتحديات التي تواجهه . أما إذا لم يحركا ساكناً ولم يوقفا الأخ المتنمر بأخذ خطوات جادة وحازمة فإن الطفل المتعرض للتنمر سيتعزز لديه الشعور بأنه ضحية، وأن هذا هو وضعه وعليه التعايش معه، مما يشجع المتنمرين الآخرين على التنمر عليه. فالمتنمر يختار الأطفال الذين يرى أنهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، وأنهم سيرضخون له نتيجة شعورهم بأن لا حيلة لهم.
5) تعزيز الناحية الاجتماعية لدى الطفل، فإذا لم يكن لدى الطفل أصدقاء، فمن المهم مساعدته تدريجياً على تكوين علاقات مع أطفال آخرين، ويمكن البدء بخطوات بسيطة كأن يدعو أحد الأطفال إلى منزله ليلعبوا معاً. إن تكوين علاقات وصداقات من الأمور المهمة جداً في تعزيز ثقة الطفل بنفسه، وبناء مهاراته الاجتماعية.
6) إذا كان الطفل يتعرض للتنمر في المدرسة بشكل يهدد سلامته أو بشكل مستمر، فإن من المهم أخذ خطوات للتعاون مع إدارة المدرسة، فتتم مناقشة مختلف الخطوات التي تستطيع المدرسة القيام بها لحماية الطفل. وقبل اتخاذ هذه الخطوة تتم مناقشة الطفل فيها ومشاركته وأخذ رأيه بعين الاعتبار، ودراسة مختلف الاحتمالات مع الطفل وإدارة المدرسة، مثل احتمال انتقام المتنمر وزيادة الأمر سوءاً، واحتمال توقف نوع من التنمر وبدء نوع آخر كالتنمر بالاستهزاء به وابتزازه.
إن بعض المدارس لديها لوائح وأنظمة خاصة بحالات التنمر، وكيفية التعامل معها، وإذا كانت مدرسة الطفل لديها مثل هذه الأنظمة فمن الجيد الاطلاع عليها قبل الاجتماع مع إدارة المدرسة.
الحلقة القادمة ستتناول الطفل المتنمر على الأطفال الآخرين....